الثلاثاء، 2 يونيو 2009

- من آداب الدعاء00

- من آداب الدعاء00
ومن الأدب أن ندعو الله دعاءً مُجمَلاً نطلب فيه حاجتنا، وأن نعلنَ فيه أدبَنا، كما في أدعيةِ الأنبياء السابقة، فهي أدعيةٌ مجملةٌ فيها الأدب في الطلب من الله.. فهذا أحد الصحابة سمع ابنه يدعو: اللهم إني أسألك الجنة التي على يمين الداخل في جنات عدن، فقال: يا بني: حجَّرت واسعًا، قل اللهم ارزقني الجنة وفي الجنة تجد العطاءَ، ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين.. أي: يجب علينا أن نطلب من الله- عز وجل- بأدبٍ في العبارة، واللهُ كريمٌ يعلم ما في القلوب، حتى ولو لم تسعفنا العبارة، فقد دخل رجل على الإمام الشافعي يعوده وهو مريض، فقال للإمام الشافعي داعيًا له: أسأل الله أن يُشْفِيَك (أخطأ العبارة؛ لأن يُشْفِيك تعني يهلكك أو يقربك من الهلاك) وهو لا يقصد، فالصحيح أن يقول: أسأل الله أن يَشْفِيك، فقال الإمام الشافعي: اللهم بقلبه لا بلسانه.ومن أدب الدعاء أيضًا أن لا يخالط الدعاء شكٌّ في الإجابة، وعدم أكل الحرام، وعدم استكثار الدعاء، فيجب مراجعة النفس قبل الدعاء، فهذا سيدنا عمر- رضي الله عنه- يقول: أما إني لا أحمل همَّ الإجابة؛ فالله قد تكفل بها، ولكني أحمل همَّ الدعاء، فإذا رُزقت الدعاء أخذت الإجابة، وهو- رضي الله عنه- يقول: فواللهِ ما ألهمك اللهُ الدعاء إلا لأنه أراد أن يعطيك.إذًا.. يجب أن نرميَ همومَنا على الله عز وجل ونقرأَ آية الدعاء بتدبر ونتوجَّهَ إلى المُعطي الغني القوي ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾ (البقرة: 186) وبالمثال يتضح المقال: الصحابة- رضوان الله عليهم- يسيرون في فتح من الفتوح ومعهم رجل من الكرام البررة- أصحاب القلوب الموصولة بالله- أصحاب الدعاء المستجاب؛ لذلك فكان كل قواد الفتوح يريدون شخصًا من الأشخاص أصحاب الدعاء المستجاب.. أحد القواد يقول: وجود محمد بن واسع في الجيش معي أفضل عندي من اثني عشر ألف مقاتل.وكان مع هذا الغزو العلاء بن الحضرمي- رضي الله عنه- (وهو رجل مقبول الدعاء وقلبه موصول بالله)، فلما نفد ماء الجيش بحث الجيش عن الماء في كل مكان فلم يجدوا، وانقطعت الأسباب المادية ولم يبقَ إلا أن يأخذوا بالأسباب الربانية.ولم يكن في السماء أثرٌ لسحابةٍ، فجاءت سحابةٌ فوقفت على الجيش وفتحت ينابيع الخير وأنزلت مياهها، شرب الجيش واغتسلوا وملأوا أوانيَهم وشربت مواشيَهم وحملوا مياهًا عظيمةً تنفعهم ببركة دعاء رجل صالح موصول القلب بالله عرف الآية واقترب منها ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ﴾ (البقرة: 186).وفي نفس الغزوة نفد طعام الجيش، فذهب الجيش إلى العلاء بن الحضرمي وقالوا لقد عوَّدك ربك بالدعاء خيرًا، فسَلْ ربك، فقال: اللهم أطعمهم، فأرغى البحر وأزبد ورمى بحوت ضخمٍ في حجم الناقة العظيمة تقوَّت الجيش به عشرين يومًا وعادوا ببعض الطعام منه ليطعموا أمير المؤمنين عمر- رضي الله عنه.ووقعت الواقعة وجاء القتال واستأسد الأعداء، فقال الجيش: يا علاء لقد عوَّدك ربُّك بالدعاء خيرًا، فارفع كفَّيك إلى مولاك، فقال: اللهم انصر عبادك واهزم أعداءَك واجعلني أولَ شهيد في هذا اليوم، فانتصَر الجيش وكان العلاء أول شهيد.وها هي الكُرب التي نزلت بأمتنا، والغمّ والهمّ الذي فرضه الظالمون على أمتنا، فنحن نتمنى بعضًا من الحرية، وبعضًا من الكرامة، وبعضًا من العدل وبعضًا من الغنى، فهيا بنا نرفع أكفَّ الدعاء لله عز وجل ونسأله سبحانه وتعالى أن يعزَّ أمتَنا وأن يقيِّضَ لها مَن يجمعها على كتابه وسنة رسوله، وأن يُبرمَ لهذه الأمة أمرَ رشدٍ يعز فيه أهل طاعته ويذل فيه أهل معصيته ويؤمر فيه بالمعروف ويُنهى فيه عن المنكر ويُحكم فيه بكتابه.
اللهم إنا نسألك ربنا أن تغيِّر حال المسلمين إلى أحسن حال، وأن تغيِّر ما حلَّ بهم من أهوال، وصلَّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.